٢٨.٤.١٢

احتلال لِبناني ليّن


     في الطابق الخامس، أغسل أطباق لزجة من بقايا زيت الزيتون، وزياد رحباني يغني في الخلفية، والعرقُ الصعبُ رفضِه يُسكب من قنينة خضراء فاخرة.
   بعد كأسين أو ثلاثة بالكثير، يردد الجميع أن أسمائهم متشابهة لحد كبير، وهي "كساراك". ولكي نتفادى المأزق المتوقع، استهلينا لعبة ترقيم المُحلّقين حول الطاولة؛ "كساراك 1"، "كساراك 2"، كساراك 3"، إلخ...
   "كساراك 6" في حالة اكتئاب شديد، وهي ليست متواجدة اليوم، ولكنها ستعود بعد أربعة وعشرين يومًا، حالما يتحرر النمل من بياته الشتويّ.
   بينما كنت أرتقي الدرج، قابلت أقنية نبيذ لبنانية فارغة على الأرضية، وسبع زجاجات بيرة "ألماظة". أمّا رائحة المكسّرات اللبنانية، مزّتُنا الليلية، فكانت قد غزت شارع العسيري بأسره، بالإضافة إلى أن أتربة أرض اللوا استحالت ذرّات أكثر نعومة مُنذُما اختلطت بهوا صيدا.
   لم تفلت ألسنتا من مترادفات شامية، حتى حينما يسألنا عابر "شو؟"، نردّ أنه "زّعتر!" الزعتر المرتحل من مرتفعات لبنان إلى أمعائنا مباشرةً – بلاها ترانزيت. التهمنا مناقيش لبنِة، والحُلو كان عبارة عن طبق بقلاوة فاخر من محلّ البابا.

     يدّعي "كساراك 5" أن "مقاومة المحتلّ مشروعة، بيد أن هذا القانون لا ينطبق حالما يُمسي الاحتلال ناعمًا."
   سيطر طابعًا لبنانيًا على مِزاج "مساحة آرت اللوا للفنون المعاصرة"، مما حدى بالمنظمين لتغيير البرنامج المُزمع، وعرض فيلم "بيروت الغربية" قبل موعده المقرر. أمّا "كساراك 3" فقد عمد رسم شجرة أَرز مصطحبة جملة "هنا بيروت!" على الجدار الخارجي للبناية، وعاد قائلًا، "لقد صار دمي لبنانيًا" فرحل، ولم نره منذاك، وسمعنا أن دكتور إبراهيم معلوف قد شخّصَه بنجاح. ناهيك عن أن السيّدة فيروز، نفسها، تجري لقاءً صحفيًا في الطابق الثاني لمناقشة التحوّل الطارئ على هويّة المساحة في الآونة الأخيرة.
   اجتمعنا هذا الصباح محاولين فتح باب حيّز التنفيذ الموصد بقوة. لم ندرك فداحة الموقف، ولم ندر كنه الاحتلال شديد المراس، إلا عندما نزلنا ذات صباح لنُفاجأ بأن جميع ساكني أرض اللوا يُفطرُون، باستمتاع مُلهِم، منقوشة خضروات.
تصوير وتصميم: إبراهيم جوابره.
كتابة: أحمد زيدان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق