١٧.٥.١٢

محاولات مُضنية للبقاء

     زُرنا "مكتب استعلامات وزارة الثقافة والإعلام بالجيزة"، مُحمّلين بمزيج من الشوق والاغتراب.

  
تغيّرت ملامح الجيزة وتمخضت عشوائية المكان بصورة تستحيل معها مهمة بلوغ المكتب لملحمة تاريخية، تارةً لتفادي الأتربة، و تارةً أخرى للتلوّي بين عربات التُك-تُك.

   وصلنا مأربنا، صافحنا ليثي الذي انتظرنا بلهفة، وعرفنا أن بكار رحل عن المكان منذ زمنٍ بعيد، تقريبًا بُعيد عامين من إقامتنا التي دامت ثلاثة أشهر.

  
منذ حوالي ثلاثين عامًا، كانت آرت اللوا تنبض بمشروع التعاون العربي الذي اشتركنا في صنع معالمه، حيثما كانت تعجّ بالفنانين والكتّاب والمثقفين والباحثين في إثر "ثورات" بداية الألفية، حتى انقلب المشهد على أعقابه وتحوّل حال المنطقة بأسرها، فهاجر من هاجر، وأُسر من أُسر، واختفى من اختفى.
   كان المشهد مُشوشًا أمام البناية التي وقفنا قبالتها بينما احترنا في تحديد هويتها، حيث منعنا حرّاسها من الدخول لعدم حملنا للتصريح المخصص لذلك.
   قادنا عمرو لدهاليز مدخل بناية مجاورة، وسط بيوت عنكبوت متفرّقة، كي نطلّ على سطح "مكتب الاستعلامات" – السطح الذي شهد على كثير من بنات أفكارنا في الماضي. وعرفنا منه أن أرضية الدور الخامس مازالت تحبّ المياه الغازية، وأن سخّان الدور قد قتل ستة فنانين حتى الآن. أتذكر جيدًا أنه كان بمثابة عبوة ناسفة توقظ البناية بأكملها، إن قرر أحد منّا اتخاذ قرار صعب، مفاده التحمُّم في وسط الليل.
   عمدنا نخطّ مجرى الذكريات بينما يشع منّا ألق الحنين مختلطٌ بشمس أرض اللوا الوهّاجة. تركنا جميل نائمًا في الفندق، وهو يعمل حاليًا مصورًا ومتتبعًا لقضية الأقلية الفرنسية في مارسيليا. بينما كانت رولا تبحث عن شقة جديدة بالزمالك لنقل حاجياتها، ووجدت صعوبة في شرح احتياجها للسمسار، لأنها كما تقول إيمان، "بتبلّش بالعربي... وبتكفّي بالإنكليزي". ذهبت إيمان لتصنع لنا النسكافيه. بينما كان أمادو يمارس محاولات مستميتة لجعل عاليا تحتسي عرق البلح السوداني. أمّا إبراهيم، فلم يُستدل على ثمّة تحركاته، لأنه لم يصل من الضفة الغربية بعد.

٨.٥.١٢

مكافحة البرد في الأسكندرية

     اختلفنا كثيرًا حول ماهيّة الطريقة المناسبة لمكافحة برد الأسكندرية في أول نيسان، خاصةً وأن رولا لا ترولّ، وابراهيم يُصلّي الجمعة، وأمادو مُحتدّ، وجميل مكتئب، وإيمان تواسيه، وأنا مُتعب تمامًا.
   قررنا لعق آيس كريم عزّة، بيد أن كحوليي السهرة قررا خوض طريقة جديدة لمكافحة البرد: ڤودكا وبيبسي من درينكيز ميدان سعد زغلول، في إثر يوم شهد تظاهرات حاشدة ضد المجلس العسكري والفلول تحديدًا.
   سافرنا من القاهرة لمدة يومين في ميكروباص ١٤ راكب. لم ينم بعضنا إلا ١٠ ساعات في الأيام الثلاثة الماضية، هذا غير أنني على موعد مع ستوكهُلم في غضون يومين من الزمان.
   قررنا احتساء الڤودكا على كورنيش الأسكندرية بعد يوم غني بمقابلات فنية في الأسكندرية، ثم غذاء بحري في النادي اليوناني – وهو مكاني المُفضّل على ساحل الأسكندرية بلا منازع.
   لم أعرف جدّ كيف انتقلت من سعد زغلول إلى طلعت حرب، ثم عائدًا لثورة ١٩ مرة أخرى من بيروت، بعد أن توقفت في ترانزيت محمد أحمد لبعض الوقت، وابتعت فرشاة أسنان زرقاء لازمة بعد ليلة من الفول والفلافل.
   يستطيع أي من فناني الإقامة، أو المحيطين، سرد تفاصيل اليوم الثاني؛ لأن نصف نهائي كأس إنكلترا استلّني برّقة.
   كانت هذه رحلة جديرة بالذكر، خاصةً وأنها كانت تتلألأ على ساحل المتوسط مثل زهرة أرز على علم باهي اللون – علم يُرفرف على صيدا ومحيطها.

٤.٥.١٢


تحول
اغرته مظاهر الحداثة . حاول جاهدا ليذهب  بنفسه اليها بدل حياة التراب التي يعيشها .
 تفاجئه بأن الحداثة جافه جدا فبدأ يختنق .
لكن. لا جدوا من هذا الاختناق . لقد فات الأوان , جفت كل مياه الاسمنت .
ولم يعد باستطاعته أن يخرج ليعود الى التراب .حيث الرطوبة الدائمة .
مسكين الورد, لا زال صغيرا ليموت هنا.

١.٥.١٢


                                                        كرسي نهاية الممر اليوم التاسع والعشرون 

٢٩.٤.١٢

                                                      زانوسي  
                                                   

   
                                                           

٢٨.٤.١٢

احتلال لِبناني ليّن


     في الطابق الخامس، أغسل أطباق لزجة من بقايا زيت الزيتون، وزياد رحباني يغني في الخلفية، والعرقُ الصعبُ رفضِه يُسكب من قنينة خضراء فاخرة.
   بعد كأسين أو ثلاثة بالكثير، يردد الجميع أن أسمائهم متشابهة لحد كبير، وهي "كساراك". ولكي نتفادى المأزق المتوقع، استهلينا لعبة ترقيم المُحلّقين حول الطاولة؛ "كساراك 1"، "كساراك 2"، كساراك 3"، إلخ...
   "كساراك 6" في حالة اكتئاب شديد، وهي ليست متواجدة اليوم، ولكنها ستعود بعد أربعة وعشرين يومًا، حالما يتحرر النمل من بياته الشتويّ.
   بينما كنت أرتقي الدرج، قابلت أقنية نبيذ لبنانية فارغة على الأرضية، وسبع زجاجات بيرة "ألماظة". أمّا رائحة المكسّرات اللبنانية، مزّتُنا الليلية، فكانت قد غزت شارع العسيري بأسره، بالإضافة إلى أن أتربة أرض اللوا استحالت ذرّات أكثر نعومة مُنذُما اختلطت بهوا صيدا.
   لم تفلت ألسنتا من مترادفات شامية، حتى حينما يسألنا عابر "شو؟"، نردّ أنه "زّعتر!" الزعتر المرتحل من مرتفعات لبنان إلى أمعائنا مباشرةً – بلاها ترانزيت. التهمنا مناقيش لبنِة، والحُلو كان عبارة عن طبق بقلاوة فاخر من محلّ البابا.

     يدّعي "كساراك 5" أن "مقاومة المحتلّ مشروعة، بيد أن هذا القانون لا ينطبق حالما يُمسي الاحتلال ناعمًا."
   سيطر طابعًا لبنانيًا على مِزاج "مساحة آرت اللوا للفنون المعاصرة"، مما حدى بالمنظمين لتغيير البرنامج المُزمع، وعرض فيلم "بيروت الغربية" قبل موعده المقرر. أمّا "كساراك 3" فقد عمد رسم شجرة أَرز مصطحبة جملة "هنا بيروت!" على الجدار الخارجي للبناية، وعاد قائلًا، "لقد صار دمي لبنانيًا" فرحل، ولم نره منذاك، وسمعنا أن دكتور إبراهيم معلوف قد شخّصَه بنجاح. ناهيك عن أن السيّدة فيروز، نفسها، تجري لقاءً صحفيًا في الطابق الثاني لمناقشة التحوّل الطارئ على هويّة المساحة في الآونة الأخيرة.
   اجتمعنا هذا الصباح محاولين فتح باب حيّز التنفيذ الموصد بقوة. لم ندرك فداحة الموقف، ولم ندر كنه الاحتلال شديد المراس، إلا عندما نزلنا ذات صباح لنُفاجأ بأن جميع ساكني أرض اللوا يُفطرُون، باستمتاع مُلهِم، منقوشة خضروات.
تصوير وتصميم: إبراهيم جوابره.
كتابة: أحمد زيدان.

٢٦.٤.١٢

خطوات صامتة

صوت الشارع:

دول نصارى...!

دول أجانب...!

عيون الشارع:

عيون الشارع لا تراني، ثمة غريبتان عنه برأسان مكشوفان تمشيان خلفي.
من المريح أحياناً أن تكون غير موجود. فشكراً لأميرة وإيمان!

عيوني:

أصوات محرومة من رؤية واضحة.
شرفات يتيمة زاخرة بالفرح.
غبار يفكر بالتصالح مع جيرانه.
طيور نهرية تزاحم كائنات برية على ما تبقى من فتات.
سواد قادم من قارة أخرى، يجاهد من أجل طمس كل الألوان.
الفرح سمة مصرية وأرض اللوا أرض مصرية.

جميل سُبيع
مشي صامت في أرض اللوا، القاهرة، 25/04/2012.